الغربان

Khalid Al-Otaibi
3 min readDec 25, 2023

ما تجلبه الغربان لا يُصلحه الزمان

BY: Narubono — Unsplash

في الطرف الهادئ من الغابة .. كانت تسكن فتاة صغيرة داخل كوخ قديم .. مُعطّر برائحة الأخشاب المُشبعة بالماء

كانت نافذة كوخها العلوية مكسورة .. وكان يمكن أن تكون تلك الفتاة وحيدة .. لولا ذلك الزائر الصغير الذي يسكن معها في العلّيّة .. حيث كان يزورها كل يوم .. وقبيل ساعات المساء غراب صغير .. بنى عُشّه داخل شرفة ذلك الكوخ العتيق

كانت الطفلة عند كل صباح .. تنثر قبالة فناء كوخها .. المكسّرات والثمار الجافة والحبوب التي تجمعها من الغابة في ظل بحثها عن آمالها المتبعثرة في الحياة .. فتأتي الطيور لتأكل منها .. ويأتي ضيفها الساكن عندها في العلّية .. الغراب … ليأكل هو أيضا

على ما يبدو .. أن الغراب شعر بالامتنان لهذه الطفلة الصغيرة .. فراح — وهي لا تشعر به — يجمع لها الكثير من الكنوز والخردوات التي يجدها تلمع أثناء تحليقه في أطراف الغابة البعيدة .. يجلبها ويضعها في شرفة العلّية

لم تكن تشعر تلك الفتاة الصغيرة أن لديها متحفا صغيرا صنَعهُ لها الغراب .. كانت ترى صنيع الغراب نوعا من الاعتناء بها

ويا لتلك الصُّدَف الجميلة ! الغراب يجلب شيئا ذا قيمة !؟

كانت الفتاة الصغيرة .. وفي كل مرة عندما يذهب الغراب للبحث كل يوم كعادته ؛ تلعب وتلهو بمتحفها الصغير في العلّية .. الذي جلَبَه لها الغراب

لقد كانت تحلُم بأن الغراب هو جالب الحظ السعيد لها … تترقّب كل يوم مفاجآته

حتى جاء أحد الأيام .. الذي تبدّل فيه هدوء ذلك الكوخ العتيق إلى شيء آخر .. لقد جلَب الغراب معه قبيل المساء لوحة صغيرة .. بداخلها صورة أسرة “رجل وامرأة وطفلة” … أراد الغراب أن يُدخلها من شُرفة العلّية .. فسقطت منه بالقرب من الفتاة

أخذت الفتاة تلك اللوحة .. وشاهدَت ما لم تكن تتوقعه أبدا !؟

الصورة تعود لأسرتها .. الأم والأب ، وهي الطفلة المفقودة التي كانت في الصورة !؟

لقد وجد الغراب أسرَتَها التي فقدَتْها قبل مدة طويلة

لقد ظنّت فتاة الغابة أن الغراب ربما كان يعلم شيئا من الأسرار عن أسرتها .. فراحت تستغرق في التأمل والتنبؤ ، وبات الغراب في نظر الفتاة الصغيرة فألا وتميمة لجلب الحظ السعيد من بعيد .. بعد أن كان مصدرا للتشاؤم !؟

لقد قام الغراب وهو لا يشعر برأب صدع كبير في حياة تلك الفتاة الصغيرة

الفتاة الآن لم تعد تستغرق في أحلامها كما كانت .. بل وجدَت أن جزءا كبيرا من أحلامها قد تحقق ! لقد وجدَت أسرتها في تلك الصورة .. إنها الآن تُفكّر في البحث عن أسرتها في القرية البعيدة على أطراف الغابة الواسعة

ولكن الأمور لم تستمر على هذا الحال .. فكل شيء يعود إلى حقيقته المدفونة في ذاته … فعند ظهيرة الغد .. جاء الغراب مبكرا على غير عادته إلى الكوخ .. وبه جرح ينزف دما ! إنه لا يطير جيدا بل يتأرجح ويترنّح !؟

تعجّبت الفتاة من ذلك ، وبعد قليل ! ضج سكون الغابة بصوت إطلاق النار !؟

لقد لحِق رجل شرس بالغراب ، ويا لسوء الصُّدَف ! جاء إلى كوخ الفتاة .. هو والغراب ! لقد اجتمع الشؤم في آن واحد

لقد وجد الرجل الشرس الفتاةَ الصغيرة .. واقتلَعها من هدوئها في الغابة .. اوجتثها من بين طيورها التي تُطعمها .. ومن بين أحلامها التي بدأت كأجنحة الطير ترف شيئا فشيئا ناحية أسرتها ومعنى وجودها في الحياة … ثم أرداها قتيلة تنزف آمالها بلقاء أسرتها وتتبعثر على الأرض .. لقد كان ذلك الرجل الشرس يظن لفرط قسوته وسوء ظنه أن الفتاة كانت تسرق منه بواسطة الغراب

يا لغراب الشؤم

حياتنا تبدو كما لو أنها قصة تلك الفتاة الصغيرة .. التي نمَت كشجرة وحيدة في الحياة .. إننا قد نجتهد في حياتنا .. عمرنا كله .. لنمنح الآخرين ببساطتنا وبراءة قلوبنا الآمالَ تلو الآمال .. ظنا منا أن ذلك سيجعل حقيقتهم المدفونة في ذواتهم تتغير .. ولكننا .. مهما فعلنا وبذلنا قصارى جهدنا .. ستبقى تلك الذوات المدفونة لا تشير إلا لما جُبِلَت عليه من شر أو خير .. إن تلك الذوات .. كالبوصلة حينما تشير إلى الشمال .. تُشير دائما إلى ما جُبِلَت عليه

مؤلف القصة .. خالد العتيبي

--

--